الرئيسية / أخبار مهمة / صورة أوميرا ساهمت بشكل كبير في زيادة وعي العالم بضرورة التكاتف وقت الكوارث والملمات

صورة أوميرا ساهمت بشكل كبير في زيادة وعي العالم بضرورة التكاتف وقت الكوارث والملمات

اوميرا سانشيز …….

في كولومبيا ، تلك الدولة الفقيرة والمضطربة في شمال أمريكا اللاتينية ، يوجد بركان أسمه نيفادو ديل رويز تقع فوهته على قمة جبل شاهق تجلل سفوحه الثلوج على مدار العالم . البركان كان خامدا لمئات السنين ، لكن في ليلة 13 نوفمبر عام 1985 أستيقظ ذلك التنين النائم فجأة وراح ينفث النيران والرماد بغضب في جميع الاتجاهات .

الحمم المنصهرة تدفقت من فوهة البركان وانسابت نحو السفوح المجللة بالثلوج ، وبفعل الحرارة ذاب الثلج وتحول إلى سيول جارفة انحدرت بسرعة 6 أمتار في الثانية لتدك مدينة أرميرو والبلدات الصغيرة المتناثرة حولها في الوادي أسفل الجبل .

السيول الجارفة داهمت السكان بينما كانوا نائمين ، أخذت كل شيء في طريقها .. المباني والسيارات والبشر ، وحين انحسر الماء قليلا في الصباح كانت قد ترك وراءه دمارا هائلا وقرابة الثلاثين ألف قتيل .

ومما زاد الطين بلة بالنسبة لسكان الوادي المنكوب هو أنهم يسكنون في منطقة نائية تحيطها الجبال مما يصعب وصول المساعدات وفرق الإغاثة إليها ، هذا فضلا عن كونها ساحة حرب مفتوحة بين الثوار اليساريين والحكومة الكولومبية . ولهذا السبب لم يسمع العالم بانفجار البركان ومأساة السكان إلا بعد أيام على وقوع الكارثة ، وكانت المساعدات الإنسانية والتغطية الإعلامية لهذا الحدث لا تتناسب أبدا مع حجم الدمار وعدد الضحايا الكبير .

اوميرا سانشيز (Omayra Sanchez ) كانت فتاة جميلة في الثالثة عشر من عمرها تسكن مع عائلتها في ضواحي ارميرو . كانت والدتها مسافرة في الليلة التي انفجر فيها البركان ، كانت هي ووالدها وخالتها وأخاها الصغير في المنزل حين ضربت السيول المنطقة ، المياه السريعة والجارفة سرعان ما هدت منزلهم والمنازل المجاورة .

الآلاف دفنوا تحت الأنقاض ، معظمهم ماتوا على الفور ، لكن البعض منهم ظلوا أحياء وأمضوا ساعات عصيبة عالقين تحت خرائب منازلهم . القليل منهم فقط تم إنقاذهم ، أما الباقين فماتوا اختناقا أو عطشا ، كان عذابا مريرا لا ينتهي إلا بالموت ، ومن سوء حظ اوميرا سانشيز أنها كانت واحدة من أولئك العالقين ، غطتها الأنقاض حتى خصرها فأصبح خروجها مستحيلا ، وغطتها المياه والأوحال حتى رقبتها فبدت لمن يراها كأنها حورية تسبح وسط بركة من الأوحال . وعلى تلك الحال البائسة ظلت الفتاة تعاني لمدة ثلاثة أيام .

كان يمكن أن تعيش أوميرا لو توفرت بعض وسائل الإنقاذ الحديثة نسبيا ، أو لو توفر كادر طبي محترف ، لكن وعورة وصعوبة المنطقة التي أنفجر فيها البركان أدى لتأخر وصول الإمدادات .

بعض عمال الإنقاذ المحليين حاولوا انتشال الفتاة عبر سحبها من البركة ، لكنهم توقفوا لسببين ، أولا لأنهم كانوا كلما حاولوا سحبها كلما أرتفع منسوب الماء وأغرقها ، وثانيا لأنهم اكتشفوا بأن قدميها عالقتين تحت ركيزة خرسانية ضخمة ، لم يكن إخراجها ممكنا إلا بقطع قدميها ، لكن الأطباء نصحوا بعدم فعل ذلك لأن الفتاة منهكة ولن تتحمل عملية كهذه ، كما أن إجراء هذه العملية كان مستحيلا بوجود ذلك الماء الموحل الذي يغطيها .

عمال الإنقاذ طلبوا مضخة لسحب الماء ، لكن تلك المضخة لم تصل أبدا . وبالنهاية أسقط بيد الجميع ، أدركوا بأن إنقاذ الفتاة مستحيل ، وظلت أوميرا المسكينة حبيسة تلك البركة الموحلة ينظر إليها الناس بأسى وهي تموت أمام أعينهم وليس بأيديهم شيء ليفعلوه من اجلها . كل ما كان بإمكانهم أن يفعلوه هو أن يسقوها بالماء من حين لآخر ، وكذلك التحدث إليها لتهدئة روعها والتخفيف عنها .

الفتاة نفسها كانت شجاعة ، برغم آلامها كانت تتبادل الأحاديث مع الناس وعمال الإغاثة ، حتى أنها غنت مرة لإحدى عاملات الإنقاذ الألمانية ، وكانت تطلب الحلوى والمياه الغازية من حين لآخر ، لكن أحيانا كانت تشعر بالخوف فتبدأ بالبكاء والصلاة ، وكان جميع من حولها يذرفون الدموع ويصلون من أجلها .. لم يكن بإمكانهم فعل شيء آخر .

لم ينجو من عائلة أوميرا سوى شقيقها الأصغر الذي خرج من تحت الأنقاض بمعجزة ولم يكن مصابا سوى بجروح طفيفة ، أما أبوها فقد مات وبقيت جثته تحت الأنقاض ، وكذلك خالتها التي قبعت جثتها مباشرة تحت قدمي أوميرا العالقتين .

في عصر يوم 16 نوفمبر وصل المراسل الصحفي الفرنسي فرانك فورنييه إلى ضواحي مدينة اوميرو بعد رحلة طويلة وشاقة ، كان الوضع مزريا ، القليل من عمال الإغاثة ينتشرون هنا وهناك ، وصرخات الناس العالقين تحت الأنقاض ترتفع من حين لآخر بيأس تطلب العون والنجدة ، لكن إنقاذ كل هذا الكم الهائل من الضحايا كان أمرا مستحيلا مع قلة الدعم وضعف الإمدادات والإمكانات .

بينما كان فرانك يتجول وسط المنازل والأحياء المهدمة باحثا عن صور مؤثرة ليعرضها على العالم فيشعرهم بحجم المأساة والكارثة ، أقترب منه أحد الفلاحين وأخبره بأن هناك فتاة عالقة تحتاج إلى المساعدة . الفلاح أرشد فرانك إلى بركة أوميرا ، كان قد مضى على وجودها هناك قرابة الثلاثة أيام ، كانت منهكة ومستنزفة وتعاني آلاما مبرحة ، عيناها أصبحت حمراء بالكامل ، وجهها متورم .. الفتاة المسكينة أدركت أخيرا بأن لا سبيل لإنقاذها وبأن الموت يقترب منها بخطى متسارعة ، طلبت من الناس المجتمعين حولها أن يذهبوا ويستريحوا .

فرانك صور الفتاة قبل موتها بثلاث ساعات ، وبقي بجانبها يراقبها ويحاول أن يواسيها . حين أقترب الموت من أوميرا أخيرا بدأت تهلوس ، طلبت من فرانك أن يأخذها إلى المدرسة لكي لا تتأخر على الدوام ، وأخبرته بأنها قلقة جدا لأن لديها امتحان رياضيات وتخشى أن يفوتها . ثم بدأت تفقد وعيها بالتدريج ، وقبل أن تموت بدقائق فتحت عينيها وقالت لأحد المصورين حولها بأنها تريد أن تقول بضعة كلمات ، الفتاة دعت الله أن يحفظ عائلتها وشكرت جميع الموجودين حولها على بقائهم معها خلال محنتها .. وما أن أنهت كلامها حتى أغمضت عينها مجددا .. هذه المرة إلى الأبد .

بعدها بأيام على وفاتها تم نشر صورها في الجريدة التي يعمل فيها فرانك ، وسرعان ما انتشرت تلك الصور ومقاطع الفيديو في جميع وسائل الأعلام .. شعر الناس حول العالم بأسى كبير تجاه الفتاة ، الكثير منهم تساءلوا بحرقة : لماذا لم يتم إنقاذها ؟ .. هل يعقل أن تظل حية ثلاث أيام ولا يجري انتشالها ؟َ .. كيف تركوها تموت هكذا ؟! .

صورة أوميرا ساهمت بشكل كبير في زيادة وعي العالم بضرورة التكاتف وقت الكوارث والملمات ، وبأهمية تقديم المساعدات العاجلة للبلدان المنكوبة ، خصوصا الفقيرة منها ، وهكذا فأن أوميرا شانسيز وهي تحدق إلى الكاميرا بعيونها الحمراء الداكنة أصبحت أيقونة لعمليات الإغاثة الدولية .

عن كاتب

شاهد أيضاً

وزارة المال تعالج مؤقتاً أزمة الطوابع حتى 30 حزيران المقبل.. فمتى يقرّ القانون؟

  كتبت منال شعيا في” النهار”: حتى 30 حزيران المقبل، سيُستعاض عن الطابع المالي بالرسم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *