لا تزال الأوضاع في لبنان تبحث عن حل جذري لاستعادة توازنها داخلياً وخارجياً، في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف باستقرار البلاد.
فقد قالت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” إن رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري قبل فترة قصيرة، قبيل عودته إلى لبنان من إحدى سفرياته، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد فترة طويلة من آخر لقاء جمعهما.
وأكدت المصادر أن الحريري عاتب بن سلمان عتاباً كبيراً بسبب تخلي السعودية عنه وعن تياره السياسي، وأنه دفع ثمن علاقته بالمملكة وقام بالتسوية الرئاسية للحفاظ على المكتسبات التي أرساها والده الراحل رفيق الحريري ومن خلفه السعودية التي دعمته ووالده في الحفاظ على الاستقرار في لبنان.
ودار بين الرجلين ـ بحسب المصدر الذي رفض أن نكشف عن اسمه ـ حديثاً طويلاً عما يمكن للحريري فعله في دولة يسيطر عليها حزب الله بشكل كبير، وأن بن سلمان قال للحريري إن السعودية وقفت إلى جانب لبنان بكل مكوناته واحتضنت اللبنانيين في المملكة، في حين أن لبنان وقف بشكل كبير ضد سياسات السعودية في المحافل الدولية والعربية.
واستطرد المصدر ناقلاً حديث بن سلمان للحريري: “وأن الحكومة اللبنانية لم تصوّت في الجامعة العربية ضد انتهاكات جماعة الحوثي ومن خلفها إيران للأراضي السعودية”.
وقال المصدر: “برر الحريري للأمير السعودي ما جرى بأن لبنان يحكم بالتوافق وأن مجموعة من اللبنانيين لا يستهان بها تقف مع حزب الله وحلفائه وأنه استطاع أن يكرّس توازناً سياسياً في البلد لصالح المحور العربي الذي تقوده المملكة عبر تعزيز الخطاب الذي تتبناه المملكة في الساحة التي يمثلها في لبنان”.
اختبار الحريري
وشدد المصدر على أن اجتماع الحريري مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلص لنتيجة واحدة، هي أن يعود الحريري لبيروت ويعمل على لملمة البيئة السنية والحليفة لها بحيث يعيد التوازن مع حزب الله وفريقه وتحديداً التيار الوطني الحر.
وأشار المصدر إلى أن حلفاء الحريري المسيحيين يشكون لقيادة المملكة ويتهمون الحريري بالانحياز ضدهم خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة الحكومة لصالح الوزير السابق جبران باسيل وأن هذا الانحياز أتى ضد مصالحهم.
حيث أكد بن سلمان للحريري أهمية التواصل مع المتحالفين السياسيين الذين تجمعهم مع الحريري سنوات نضال مشتركة ضد هيمنة سلاح الحزب.
شقيق الحريري
ونقل المصدر تساءل الحريري خلال لقائه بن سلمان عما إذا كانت السعودية قد أوحت لشقيقه بهاء بالعودة للعب دور سياسي في لبنان، لكن الأمير بن سلمان نفى ذلك وأكد للحريري أنه لا يريد التدخل في الأمر وأن بهاء يعمل دون إذن سعودي في لبنان.
ما أخذ الحريري لاستدراك أن جهة أخرى هي من دفعت شقيقه للعودة ولعب دور عبر منتديات المحامي نبيل الحلبي.
لقاء بنصر الله
يقول مصدر في حزب سياسي لبناني أن الحريري، فورعودته إلى بيروت طلب من المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل ترتيب لقاء بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ويشدد المصدر على أن الحريري طلب من نصر الله إعادة ترتيب المشهد اللبناني لمواجهة تحديات المرحلة.
وأنه جاهز للعب دور سياسي ولا يريد فك “ربط النزاع مع الحزب” لأنه يدرك خطورة الانجرار لخطاب الفتنة المذهبية، وأن الحل هو تشكيل حكومة وحدة وطنية لكنها حكومة اختصاصيين “تكنوقراط” تسعى لحل المعضلة الاقتصادية وتقوم بدور فعال في تطمين المجتمع الدولي.
فيما نفى الحريري بعد ذلك أنه التقى نصر الله، لكن المصدر أكد أن اللقاء تم منتصف شهر مارس/آذار الماضي.

الحريري و حزب الله وجها لوجه في المرحلة المقبلة .. ” صورة من مواقع لبنانية”
خلية نحل
منذ عودة الحريري لبيروت والرجل لا يهدأ، ولعل الرجل هو أول من كسر قواعد اللقاءات المباشرة في ظل الكورونا، حيث بات منزل الحريري خلية نحل لإعادة تشكيل ملامح المرحلة القادمة في حال عودته لموقع رئاسة الحكومة.
ويعمل مستشارو الحريري الاقتصاديون على قدم وساق لإخراج ورقة اقتصادية تحاكي المرحلة، فيما يعكف الحريري على جمع الصف السني عبر لقاءات مع الحزبيين في تياره، والمقربين من مشروعه السياسي.
فيما يُجري الجريري أيضاً لقاءات مستمرة مع زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والمعاون السياسي لنصر الله الحاج حسين الخليل الذي بات خطه مفتوحاً مع الحريري عند كل عاجل.
تركيا وشقيق الحريري
من جهة أخرى نشطت مواقع إلكترونية مقربة من تيار المستقبل في اتهام تركيا بدعم مشروع بهاء الحريري ومن خلفه المحامي نبيل الحلبي، لكن تركيا البعيدة عن المشهد اللبناني باتت تدرك أن محاولات الزج باسمها تأتي في محاولة لإبعاد التهمة عن دول أخرى تسهل لبهاء الحريري وفريقه العمل في الساحة المحلية اللبنانية.
وعلى الضفة نفسها يعيش الحريري هاجس شقيقه الذي يعمل للإطاحة به، هذا ما كان على مائدة نقاش بين الحريري وبين سفير أنقرة في بيروت هاكان تشانكل الذي نفى للحريري أي دعم تركي لأي فريق لبناني وأن تركيا ملتزمة بدعم الحكومة اللبنانية حصراً.
وأكد السفير التركي أن وجود المحامي نبيل الحلبي في تركيا ليس سوى محض صدفة بسبب كورونا وإغلاق المطارات بين الدول وأنه سيغادر بأقرب فرصة.
استهداف باسيل
يدرك الحريري أن حزب الله يشكل الرافعة الأهم للسلطة اللبنانية وأن الحزب يمتلك قوة عسكرية تتحكم بالمشهد السياسي والإداري للبنان، لكن الحريري يجد من التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل خاصرة رخوة للهجوم على العهد الحالي بسبب النقمة الشعبية في الشارع على التيار بسبب ملفات الكهرباء والوقود وغيرها.
وأن استعادة الشعبية في الساحة السنية يكون عبر التصويب المستمر على باسيل والغمز من قناة عمه رئيس الجمهورية ميشال عون والذي يغطي باسيل وممارساته، في حين أن السعودية الممتعضة من باسيل بسبب مواقفه في الجامعة العربية سترى بالتصويب على الرجل خطوة متقدمة لاستعادة ثقتها بالحريري.