شبكة الأخبار اللبنانيه والدوليه
كتب الشيخ طلال الأسعد
الإرهابيين في الدوله الإسلاميه وعائلاتهم يحملون جوازات سفر أوروبية وتركية وغربية، وأنّهم معروفون لدى أسيادهم الذين أرسلوهم لارتكاب أعمال إرهابية في سورية والعراق ولبنان وليبيا آملين أن يتمكنوا من أن يستلموا زمام الأمور في هذا البلدان . والآن هؤلاء الأسياد لا يريدون عودتهم إلى البلدان التي انطلقوا منها ولم يقرروا بعد الوجهة التي يريدون إرسالهم إليها. فقد أعلنت السلطات الفرنسية أنّها استقبلت عدداً من أطفال الدواعش كما أنّ داعش قد فجرت وقتلت عدداً من الذين سلموا أنفسهم إلى بعض السلطات صنيعة الأسياد أنفسهم في تلك المنطقة.
إذاً لم يكن لدى هؤلاء الأسياد أيّ مانع أن يتعاملوا مع كيان إرهابي متعصب إذا ما تمكّن بعد استلام مقاليد الأمور وكلّ هذه النفحات التي يدعونها إنسانية من استقبال “أطفال الدواعش” إلى “عائلاتهم” ما هي إلا نتائج مساومات تجري بينهم وبين عملائهم المعروفين لديهم بالأسماء. وفي نظرة سريعة نقول من الذي وفّر ملاذاً آمناً للإخوان المسلمين من الذين ارتكبوا المجازر الإرهابية في حلب وحماه وفجّروا شوارع دمشق واغتالوا الكوادر العلميّة في ثمانينات القرن الماضي، ومازالت بعض قياداتهم هناك، أو ليست هي الدول الأوروبية ذاتها التي رحّبت بهم رغم أنّهم يعرفون جيداً حجم المجازر التي ارتكبوها بحقّ الأبرياء من أبناء شعبنا وفي مناطق مختلفة من المدن والقرى السورية.
إذاً العلاقة بين الحكومات الغربية وقيادات الإرهاب وأداته الأساسية الإخوان المسلمين، هي علاقة قديمة حديثة وموثقة ومؤكّدة، ولاشكّ أنّ هذه العلاقة هي التي توفّر لهم المال والسلاح والملاذ الآمن والتغطية الإعلامية والسياسية والدعم ليتجهوا إلى منطقة من العالم تلو أخرى ويعيثوا فيها فساداً وقتلاً وإجراماً. وضمن هذا السياق تطوّرت ظاهرة معاداة الإسلام إلى فوبيا في الغرب وأخذ الغرب وخاصة بعد عام 2001 يستخدم أدواته الإرهابية هذه والتي هي من صنع مخابراته، ليتهم الإسلام والمسلمين بالإرهاب وليتخذ إجراءات قمعيّة بحقّ المسلمين المؤمنين بالعيش المشترك والسلام حيث بدأت إجراءات التفتيش العنصرية في المطارات الغربيّة واليوم وبعد قرابة عشرين عاماً من الإجراءات نسأل كم من الإرهابيين أمسكوا في مطاراتهم نتيجة هذه الإجراءات المستحدثة؟ علماً أنّ مئات الألوف من الإرهابيين مرّوا بسلام عبر هذه المطارات إلى وجهتهم في ليبيا ومنها إلى تونس وسورية واليمن وغيرها.
لاشكّ أنّ الهدف من الدعاية الواسعة ضد المسلمين في الغرب كان تشويه صورة المسلمين في أعين الشعوب الغربية وإثارة الذعر منهم وتعزيز المشاعر العنصرية والحركات التي تستهدف المسلمين وفي الوقت ذاته تمرير كلّ إجراءات الاحتلال والإرهاب في فلسطين المحتلة واتهام كلّ من يقاوم الاحتلال ويسعى إلى تحرير أرضه وشعبه بالإرهاب. ولو كانت هناك عدالة إنسانية كما يدّعون لوجهوا إعلامهم أن يسأل الأسئلة المنطقية عن مصدر كلّ هذا الإرهاب الذي ضرب أركان سورية واليمن، ومن هم الداعمون والمموّلون ولحولوهم وأسيادهم إلى محاكم الجنايات الدولية. ولكنّ هذا يتطلب عالماً عادلاً بالفعل، ونحن بعيدون جداً عن مثل هذا العالم.
لقد انعكس هذا التعامل الغربي الودود مع الإرهابيين من دواعش وخوذ بيضاء وغيرها وبالاً ليس فقط على المستهدَفين من العرب في فلسطين وسورية واليمن والعراق، وإنّما على جميع الجاليات المسلمة في المغتربات، حيث تمّ تصنيفها جميعاً بأنّها إرهابية وحرموا الطلاب من إتباع اختصاصات معينة في الغرب وبدأ اصطياد المواهب والخبراء من المسلمين أو القضاء عليهم كي تبقى صورة الإسلام والمسلمين من صنع هؤلاء الإرهابيين فقط وكي يبرروا الموقف العنصري المتنامي من الإسلام والمسلمين في الغرب.
في هذه الأجواء التي خلقها وكرّسها الإعلام الغربي وعلى مدى سنوات ليس من المستغرب أبداً أن نشهد جريمة إرهابية مأساوية كالتي شهدتها نيوزيلاندا مؤخراً حيث تمّ قتل أكثر من خمسين مسلماً وهم يصلون في مسجدين في يوم واحد، ولاشكّ أنّ معظم إدانات الحكومات الغربيّة لهذه الجريمة هي إدانات منافقة لأنّ هذه العنصرية والحقد على المسلمين كلّها من صنع إعلامهم الذي يضخّ الحقد والكراهية ضد المسلمين وفق خطط مدروسة بعناية ويعملون على تنفيذها في بلدان مختلفة.
وقد قامت مؤسسة راند المموّلة من الحكومة الأمريكية وشركات النفط والغاز والتي تفوق ميزانيتها المئة مليون دولار بإعداد دراسات وتشجيع حركات في بلدان مختلفة تودي إلى استلام الدواعش والمتطرفين الحكم في هذه البلدان. ولم نسمع بعقوبات غربيّة ضد حركات ودول إرهابية تدّعي الإسلام، بينما تنهال العقوبات والحصار على دول ذات تاريخ علماني تقدمي وحكومات تؤمن بالعيش المشترك ولها علاقات متبادلة مع الغرب منذ أوائل هذا القرن كالعراق والسودان وسورية ولبنان واليمن على سبيل المثال لا الحصر.
أمّا اليوم فالعقوبات أخذت تتهاوى على روسيا والصين أيضاً، كما أنّ إجراءات خطيرة قد تكون قيد الإعداد ضد الشعب الفنزويلي وتوجهاته المستقبلية. ماذا يتوقعون إذاً أنّ يحصدوا أو يحصد العالم حين يزرعون كلّ هذا الكمّ من الكراهية والعنصرية والتمييز بين الغرب وبقية العالم وكيف يتوقعون أن يبنوا نظاماً أمنياً يحميهم في الوقت الذي يموّلون ويسلّمون شذاذ الآفاق لضرب كلّ عوامل أمن وسلامة واستقرار الشعوب. أو لم يوقنوا إلى اليوم أنّنا نعيش في عالم واحد وأنّ اختلال الأمن في جزء منه لاشكّ أنّه سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى اختلال الأمن في الجزء الآخر؟ فهل يطبّقون نظريات الامبراطوريات في الماضي على عالم اليوم. ففي الماضي لم يكن العالم بهذا القدر من التواصل وكانت عواصم الامبراطوريات قادرة على العيش بشكل مناقض جداً للدول التي تستعمرها وتنهب ثرواتها وتدع أهلها عرضة للعوز والفقر.
أمّا اليوم فقد أصبح العالم بالفعل قرية صغيرة وأصبح القاطنون في أقصى نقاط الأرض قادرين على متابعة ما يحدث في كلّ مكان ولم يعد ممكناً عزل دولة أو منطقة أو كيان مهما شيّدوا من جدران عنصرية تكاد تصبح موضة العصر بعد الجدار الصهيوني الذي بناه الاحتلال الإسرائيلي ليستولي على خيرة الأرض الفلسطينية ويخلق أشدّ أنواع المعاناة للفلسطينيين. الجواب على مشكلة الأمن لا يكمن في بناء الجدران العنصرية وإنّما في الاعتراف بموقف واضح وصريح من الإرهاب والإرهابيين بعيداً عن النفاق الاستعماري الذي ساد التعامل الغربي مع هذا الملف خلال العقود الماضية.
في هذا العالم المتداخل اليوم يزرع البنتاغون الإرهابيين في الباغوز، ويحاصر مخيم الركبان فتحصد الشعوب القتلى في فنزويلا. هذه حقيقة ولكن متى يتخلّى حكّام الغرب عن استكبارهم الاستعماري، ويعترفون أنّ سياساتهم العنصرية والعقوبات التي يفرضونها على الدول والشعوب والكراهية التي يروجون لها هي التي تُفقد الجميع وفي كلّ مكان أمنهم وأمانيهم وحياتهم الآمنة المستقرة.