الرئيسية / أخبار مهمة / ملف مكتومي القيد يفتح على مصراعيه

ملف مكتومي القيد يفتح على مصراعيه

نجلة حمود
أعادت حادثة إنتحار الشاب علاء فرج من بلدة مشتى حمود، الذي أقدم على إطلاق النار على نفسه بواسطة بندقية صيد في منزله، فتح ملف مكتومي القيد في منطقة الدريب الأعلى وتحديدا في بلدات المشاتي ووادي خالد.

علاء لم يتحمل ضغط الحياة، فأقدم عن سابق إصرار وتصميم على إنهاء حياته بعد أن ضاقت به الدنيا، فلا عمل ولا إمكانية للتنقل حتى داخل المنطقة، لذلك قرر علاء إنهاء حياته بعد أن حكمت عليه دولته بالموت يوميا طيلة 21 عاما، وهي عدد سنوات حياته التي أمضاها بالألم والمشقة وسعي العائلة الدائم لتدبر أبسط أمور حياتهم والتي تعتبر بالنسبة للبعض من البديهيات.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وغياب أي أفق للمستقبل والتعامل مع مكتومي القيد من أبناء الدريب الأعلى (مشتى حمود ووادي خالد) الذين ما زالوا في نظر الدولة ملحقين ومواطنين من الدرجة الرابعة والخامسة، دفعت بالشاب علاء الى الانتحار.
حال علاء كحال ما يقارب الـ 40 فردا من أبناء مشتى حمود الذين لم يتمكنوا من الحصول على الجنسية اللبنانية، بحسب ما يؤكد مختار البلدة علي رمضان لافتا الى ″أن الأوضاع المعيشية الصعبة، والتي تفاقمت كثيرا بعد النزوح السوري الى المنطقة ومنافسة اليد العاملة السورية وضعت الشباب وتحديدا مكتومي القيد بين فكي كماشة، إذ لا يمكنهم التقدم لأي وظيفة رسمية ولا يقبل أصحاب المؤسسات توظيفهم، واليد العاملة السورية قضت على ما تبقى لهم من أمل في كسب رزق، وباتوا عاجزين عن تأمين رغيف الخبز ودخول المستشفيات والمدارس″.
ويضيف رمضان: إن أوضاع مكتومي القيد صعبة للغاية لعدة أسباب:

أولاً: امتناع بعض العائلات عن تقديم الطلبات لعدم توفر الأموال اللازمة والقدرة على انجاز الأوراق.

ثانياً: مواليـد عامي 1994و1995 الذين ولدوا بعد تقديم الطلبات في العام 1992 بالرغم من أن صدور المرسوم كان في العام 1994 والتنفيذ في العام 1995 الا أن القانون لم يشملهم.

ثالثاً: مواليد عامي 1975و1976 الذين كانوا قاصرين عند تقديم الطلبات وبلغوا سن الرشد عند صدور المرسوم ضاعوا بين المرحلتين وبقوا دون جنسية.

رابعاً: أفراد تقدموا بطلبات التجنيس أثناء وجودهم في السجن فدوِّن مقابل أسمائهم “لا يعطى أي مستند لحين حضوره وتوقيعه” وعند حضورهم كان الجواب أنهم فقدوا حقهم بالحصول على الجنسية.

خامساً: العائلات التي تقدمت بالطلبات وقامت بدفع الرسوم المالية المتوجبة عليها لكنها فوجئت بعدم ورود أسماء أفرادها، وبعد المراجعات الحثيثة التي قاموا بها قيل لهم بأن الملفات الخاصة بهم قد ضاعت في الداخلية.
كل هؤلاء من أبناء المشاتي يضاف اليهم ما يقارب الـ 600 فردا من أبناء وادي خالد هم مكتوموا القيد تواجههم الدولة بعدم الاعتراف بهم لسنين طويلة حيث ظلوا من حملة جنسية قيد الدرس إلى أن منحوا الهوية اللبنانية بمرسوم عام 1994.
لم تكتمل فرحة خمسة عشر ألف مجنس جراء الشوائب العديدة التي حفل بها مرسوم التجنيس حيث حرمت شريحة واسعة من الأهالي من الهوية فبقي أفرادها ″مكتومي القيد″ (600 نسمة) يحملون بطاقة تعريف من قبل المختار تخولهم التنقل بين المناطق اللبنانية والتسجيل في المدارس لا أكثر، أما بقية الحقوق والخدمات من استشفاء وضمان وعمل وحق التملك فهم محرومون منها، مما يفرض عليهم ″حصارا″ من نوع آخر يقيد أحلامهم ومشاريعهم المستقبلية ضمن إطار جغرافي، اجتماعي وثقافي محدد وحرمانهم من الوظائف الرسمية.
حادثة علاء من المفترض أن تؤدي الى تحرك الدولة ووزاراتها المعنية وفي مقدمتها وزارة الداخلية والبلديات، لوقف المتاجرة بهذه القضية الانسانية، إذ يؤكد المختار رمضان، أن ″الأوراق المطلوبة والفحوصات التي يتم طلبها لتقديم الملف مكلفة ولا يوجد إمكانية لدى الأهالي لاتمامها، كما أن هؤلاء الشبان تحولوا الى فريسة سهلة لكل من يوهمهم أن لديه الحل القانوني لقضيتهم الا أن أي شيء لم يظهر في الأفق″.
فتح ملف مكتومي القيد، دفع أيضا وعلى مدار الأعوام الماضية بوجهاء منطقة وادي خالد الى التحرك لدى المسؤولين لحث الدولة على منح أبنائها الجنسية التي تخولهم ممارسة حقوقهم وواجباتهم كمواطنين بشكل طبيعي، إلا أنهم لم يلقوا، حتى الآن، سوى الوعود والمزيد من الخيبة، علماً بأن الدوائر الرسمية هي المسؤولة أساساً عن استثناء هؤلاء من مرسوم 1994 إما بسبب الإهمال أو الاستنسابية، أو بسبب ثغرات شابت مرسوم التجنيس.
حسين شقيق علاء عبّر عن حزنه لوفاة شقيقه بتأكيده ″أن الورقة التي حرمتنا منها الدولة هي السبب وراء إقدام أخي على الانتحار وعجزنا نحن الأشقاء السبعة من الشعور بوجودنا وبأننا مواطنين لبنانيين، لدينا حقوق وعلينا واجبات، متسائلا ماذا تبقى لنا في هذه الحياة؟ وأي مستقبل ننتظر؟″.
عبّر علاء بقسوة عن معاناته في بلد تحول مواطنوه الى مجرد وقود لسياسة الحكام التي زادتهم فقرا وتهميشا وحرمانا، في منطقة بقيت خارج حساباتها حتى العام 1994 حين أعطت الجنسية لعدد من المواطنين وحرمت آخرين بغير وجه حق، في حين أن الخدمات لا تزال بعيدة عن تلك المنطقة الحدودية.
فهل تتغير نظرة الدولة والمجتمع إلى هذه الشريحة من الأهالي، وتنهي تلك النظرة الدونية وذلك عبر الاعتراف بأبنائها كافة؟..

عن كاتب

شاهد أيضاً

*السيد الخامنائي وخنجر إزميرالدا*

  يقول طارق متري (وزير الثقافة الأسبق في لبنان): في آذار 2010 ذهبت إلى طهران …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *