نقلا عن التجمع النسائي الديمقراتي اللبناني.
مقدمة
إحتلت حقوق الطفل حيزا هاما في مسيرة الإتفاقيات والمواثيق الدولية حيث ظهرت فكرة إحداث منظمة عالمية لحماية الطفولة عام 1913 ، من ثم تم إستحداث لجنة لحماية الطفولة عام 1919 .
فيما بعد إعتمدت عصبة الأمم إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 1924 ، ليصار إلى
تأسيس اليونيسف عام 1946 وذلك قبل إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ليتم إعلان حقوق الطفل عام 1959 والسنة العالمية لحقوق الطفل عام 1976 ليتمثل الإنجاز الأهم بصدور إتفاقية حقوق الطفل عام 1989 وبصدور القرار رقم 52\106 الخاص بالطفلة عام 1997 .
بالرغم من هذا الإهتمام بقضايا الطفل وعلى الرغم من إصدار العديد من الإتفاقيات الناظمة لحقوق الإنسان ، وعقد الكثير من المؤتمرات الدولية الهادفة لتعزيز وإحترام هذه الحقوق ، فما زالت الطفلات ضحايا صامتات لا يدري أحد بهن عرضة للعنف والإيذاء والاستغلال ….خاصة وإن بعض الأنظمة القانونية لا تتصدى بشكل مناسب لمسألة ضعف البنات ولا تعمل على توفير الحماية لهن .
إن التمييز ضد الطفلة وإهمالها ، يمكن أن يؤديا إلى بدء سقوطها في دوامة الحرمان من الاندماج في التيار الاجتماعي الرئيسي ، والانعزال عنه مدى الحياة .
إن التمييز ضد الطفلة وانتهاك حقوقها ، يفضيان في أحيان كثيرة إلى الحد من فرص حصول البنات على التعليم والتغذية والرعاية الصحية البدنية والعقلية ، وإلى تمتعهن بقدر أقل مما يتمتع به الصبية من الحقوق ،والفرص ، والمزايا في مرحلتي الطفولة والمراهقة وتعرضهن كثيرا لأشكال شتى من الاستغلال الثقافي والاجتماعي والجنسي والاقتصادي وللعنف والممارسات الضارة مثل غشيان المحارم والزواج المبكر ووأد الإناث واختيار جنس المولود قبل الولادة وتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى…..
وفي مجتمعنا ، وعلى الرغم مما أحرزناه من بعض التقدم الثقافي والتربوي فما زلنا نشهد لبعض مظاهرالتمييز ضد الطفلات ، منها ظاهرة الزواج المبكر التي تزداد في الآونة الأخيرة بحسب تقارير المجلس الأعلى للطفولة.
سنحاول تناول الموضوع من خلال التعرف على سن الزواج في المواثيق والإتفاقيات الدولية ومقارنته بسن الزواج لدى الطوائف اللبنانية ، وتحديد أسباب ونتائج الزواج المبكر ، وإستخلاص أبرز التوصيات التي يقتضي العمل عليها لحماية الطفلات من كل ما يؤدي إلى إنتهاك حقوقهن .
سن الزواج وفقا للإتفاقيات والإعلانات الدولية :
بحسب المادة الأولى من إتفاقية حقوق الطفل :
…لأغراض هذه الاتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.
أما الزواج فهوعقد بين رجل وإمرأة تحل له شرعا يقوم على الرضا الكامل بهدف بناء الأسرة التي تشكل الخلية الأساس في المجتمع ، وبالتالي يجب أن يسود هذا العقد شروط الرضا المتبادل الحر الخالي من العيوب من أجل تحديد لحقوق والمسوؤليات
من هنا جاءت معظم الإتفاقيات الدولية لتؤكد ضرورة توافر الوعي والنضج والإرادة السليمة لدى كل من طرفيه وأساس ذلك السن القانوني …
فالمادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانأكدت إنللرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس أسرة …
والفقرة 2 من المادة 16 من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة نصت على إنه لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني , وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا .
كذلك جاء في مقدمة الإعلان العالمي للقضاء على العنف:… إن الجمعية العامة إذ يقلقها إن بعض فئات النساء ك……والأطفال , هي فئات شديدة الضعف في مواجهة العنف .
أما المادة 5 من القرار رقم 52\106 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فحثت الدول على سن قوانين تتعلق بالحد الأدنى لسن الزواج ورفع الحد الأدنى لسن الزواج .
لماذا نشهد إذا لظاهرة الزواج المبكر ؟ ما هي أسباب ذلك ؟ كيف تشكل إنتهاكا لحقوق الطفلة ؟ وما هي نتائجها وإنعكاساتها ؟
أسباب ظاهرة الزواج المبكر :
التميز ضد المرأة هو مركب إجتماعي يرتكز على قواعد أو معايير إجتماعية ، أي
ما يعرف بالأنماط التي تصبح روتينية مع مرور الوقت وتكتسب نوعا من الشرعية الإجتماعية مما يساهم في ترسيخ إيدولوجية الأدوار المرسومة لكلا الجنسين ويساهم كلا من الدولة والمجتمع والأسرة في رسم هذه الأدوار وتكريسها ، وهذه المؤسسات تعمل بشكل مترابط لا بشكل منعزل .
يشكل التمييز ضد النساء إنتهاكا للكرامة الإنسانية وعائقا أمام نمو المجتمع إذ يحد
من قدرة النساء على التمتع بالحقوق والحريات الأساسية التي تقرها المواثيق الدولية والقوانين الوطنية ، ويحرمهن من الأفادة من الفرص التي تتاح لهن للإنخراط في الفعال في عملية التنمية ، كما ويؤثر في تنشئة جيل على قيم غير ديمقراطية تنتهك حقوق الإنسان .
إن أسباب ظاهرة الزواج المبكر متعددة وناجمة عن إستمرار دوامة التمييز والعنف على أساس الجنس وهي تجد تبريراتها في :
_قسمة الأدوار في المجتمع وغلبة الدور النمطي للمرأة في المجتمع كربة أسرة عليها تولي هذا الدور مبكرا ضمانة لنجاحه وفقا للمعايير التي يضعها المجتمع .
_الوضع الإقتصادي السيء الذي يكون مبررا في أحيان كثيرة للأهل لقرار التزويج مبكرا للفتاة و الإغراءات المالية لجهة إعتبار الزواج المبكر صفقة رابحة .
__الذهنية التقليدية التي ترسم معايير محددة للزواج ، لجهة السن وحصره بالسن المبكر وقرار المجتمع بإعتبار الزواج في سن مبكرة هو الإنجاز الأهم لأي فتاة.
__الصورة السائدة في المجتمع عن الفتيات اللواتي يتأخرن بالزواج ، وقلة حظوظ الفتيات اللواتي يتأخرن بالزواج ما يساهم في خوف الأهل ورغبتهم بتزويج الفتيات في سن مبكرة لتفادي تأخر بناتهن في الزواج .
__عودة التيارات الدينية السلفية .
__إنتشار مفاهيم السترة والعنوسة والشرف في مجتمعاتنا ، وإلتصاق هذه المفاهيم بالفتاة وإعتبار الزواج هو الإطار الحامي لشرف العائلة والضامن لسلامة الفتاة من أي منزلق أخلاقي يسيء إلى سمعة العائلة ووضعيتها الإجتماعية .
نتائج الزواج المبكر على الطفلة .
إن الزواج المبكر يمثل تمييزا ضد الطفلة ويشكل إنتهاكا لأبسط الحقوق التي يقتضي تمتع الفتاة بها، وله تأثيرات سيئة متعددة تطال مختلف جوانب حياة الطفلة فهو يؤدي إلى :
___الحرمان من الحق في التعلم وهو حق أساسي له دور أساسي في بناء شخصية الفرد ونموها كما يساهم في تقدم المجتمع وتطوره ، ويعمل على بناء أسرة متكاملة صغيرة العدد ويساهم في زيادة الإنتاجية .
_الحرمان من الحق في العمل ، ما يساهم في تأخر التنمية وتعطيل فئة بشرية كبيرة
عن المساهمة في بناء المجتمع ، وإن عدم الإستقلالية الإقتصادية يجعل الإنسان في وضعية تابعة عاجزة عن إتخاذ أي قرارات مصيرية .
_ الحرمان من الحق في السلامة الجسدية نتيجة الحمل في سن مبكرة وتكرار الحمل والإنجاب وتأثير ذلك على الصحة الإنجابية وعلى السلامة الجسدية .
__الحرمان من الحق في النماء نتيجة إنتهكاك اليحق في التعليم والترفيه واللعب وبناء شخصية متوازنة .
___الحرمان من الحق في الحماية : فمنع الإساءة والحماية من الإستغلال الإقتصادي
والجنسي وكل أشكال الإستغلال هي في صميم حق الطفل في الحماية والتي ستنتهك .
_الحرمان من الحق في إتخاذ القرار بسبب الإكراه على الزواج دون الرضا الكامل للفتاة إذ ليس لها القدرة في هذه السن على إتخاذ القرار السليم بشأن مستقبلها سواء بالقبول أو الرفض .
_ إنتهاك الحق بالكرامة الإنسانية ، فزواج الطفلة يجعلها أكثر عرضة للعنف الزوجي وأقل قدرة على مواجهته نتيجة قلة الوعي والنضج .
__ إن الزواج المبكر يساهم في جعل الطفلة في مرتبة متدنية ، وعاجزة عن إتخاذ القرارات الخاصة بأسرتها ،حيث ينحصر دورها بالدور الإنجابي ما يجعلها عاجزة عن القيام بالأدوار الإنتاجية والسياسية مما يعيد إنتاج وتكريس الأدوار النمطية .
__إن الزواج المبكر له تأثيره المستقبلي على العلاقات الأسرية لناحية إحتمال وقوع الطلاق نتيجة تعدد المشاكل الأسرية الناجمة عن عدم نضج ووعي الفتاة ,أو نتيجة الفرق الكبير في السن بين الرجل والفتاة أو لإحتمال حدوث الخيانة الزوجية.
ما هو المطلوب :
من واجبنا كدول ومنظمات القيام بجملة من السياسات والتدابير لضمان تمتع الطفلة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية تمتعا كاملا ومتساويا واتخاذ إجراءات فعالة ضد انتهاكات هذه الحقوق والحريات من خلال :
أ ) تحديد أهداف ووضع وتنفيذ استراتيجيات تراعي الفوارق بين الجنسين لمعالجة حقوق الأطفال وفقا لاتفاقية حقوق الطفل ومراعاة حقوق الطفلة واحتياجاتها الخاصة، ولا سيّما في التعليم والصحة والتغذية، والقضاء على المواقف والممارسات الثقافية السلبية ضد الطفلة .
(ب ) توليد الدعم الاجتماعي من أجل إنفاذ القوانين المتعلقة بالحد الأدنى للسن القانونية للزواج ولا سيّما عن طريق توفير فرص التعليم للبنات .
(ج ) إيلاء الاهتمام لحقوق واحتياجات المراهقات ، التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات خاصة لحمايتهن من الاستغلال والاعتداء الجنسيين والاقتصاديين ، والممارسات التقليدية والثقافية الضارة ،من أجل تطوير المهارات الحياتية واحترام الذات وإعادة تأكيد أن النهوض بالمرأة وتمكينها طول دورة حياتها يجب أن يبدأ بالطفلة من جميع الأعمار.
( د ) اتخاذ التدابير لزيادة الوعي بإمكانيات الطفلة وترويج الاختلاط بين الصبيان والبنات بشكل يراعي الجنس منذ الطفولة المبكرة بهدف تحقيق المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام داخل الأسرة والمجتمع .
(ه)كفالة مشاركة البنات والفتيات على قدم المساواة دون تمييز كشريكات مع الصبيان والفتيان في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفي وضع الاستراتيجيات وتنفيذ الإجراءات الرامية إلى تحقيق المساواة والتنمية والسلام بين الجنسين .
(و)سن قوانين تكفل عدم إجراء الزواج إلا بالموافقة الحرة والكاملة للزوجين المعنيين وإنفاذها بكل دقة ، وسن قوانين تتعلق بالحد الأدنى للسن القانونية للموافقة ، والحد الأدنى لسن الزواج ، ورفع الحد الأدنى لسن الزواج عند اللزوم وإنفاذ هذه القوانين بكل دقة .
(ز) إزالة جميع العوائق التي تعترض تمكين البنات دون استثناء من التطوير الكامل لإمكانياتهن ومهاراتهن من خلال المساواة في الحصول على التعليم والتدريب .
( ح ) إعادة النظر في السبل والوسائل ،التي تكفل مواصلة التعليم النساء المتزوجات والحوامل والأمهات الشابات