الرئيسية / أخبار مهمة / العاقوره ولمحه تاريخيه لها

العاقوره ولمحه تاريخيه لها

العاقورة
كلمة العاقورة هي لفظة سريانية تتألّف من كلمتين “عين اورو” ومعناهما العين الباردة، وقد كان اساقفة العاقورة يوقّعون على المحاضر الرسمية باسم مطران عين قورا.
وقد ذكر الأب اندري روشه اليسوعي ان مياه العاقورة شاذة عن جميع مياه لبنان حيث قال: “دخلنا العاقورة وهي تعلو عن البحر 1450 متراً، وفي وسط القرية قناتان واسعتان تنبعث منهما عينان غزيرتان شديدتا البرودة لا يتجاوز مقياس حرارتهما 11 درجة، الاّ ان لهذه المياه ميزة تشذّ بها عن بقية مياه الجبل، واليها اشرنا، اي وفرة املاحها مع برودتها فوجدنا بالتحليل رسوباً من السولفات ظاهراً، ثم رسوباً وافراً من الكربونات والذي بلغ في الليتر 210 ملغ؛ وفي هذه المياه معدن الكالسيوم، على ان هذه الاملاح المعدنية المفرطة خاصة بالعاقورة…”.
وعذوبة مياه نبع العاقورة نادرة ولذا طابق الاسم المسمى.

تاريخ العاقورة

لا يعرف زمان توطّن العاقورة، ولكن مما لا ريب فيه ان ذلك كان قبل قيام التواريخ المعروفة. وقد زعم البحاثة ان اوائل الذين قطنوا في هذه النواحي هم الآراميون، وقيل انهم جاؤوا الى لبنان لنزاع وقع بينهم وبين ملوك بابل الكوشيين.
وقد ذكر الكثيرون من علماء الآثار ان مملكة جبيل اسسها الآراميون الذين نزلوا الجهات الشرقية قاطعين الجبال اللبنانية فسميت باسمهم.

ايام مجد ورخاء

حكم العاقورة ايام الفينيقيين امير يذود عن اراضيها، وكانت مدينة متوسطة ان لم نقل كبيرة كما تبيّن آثارها. وقد ذكرها العلماء “المسيو بروسه”، وفيروليو، وديان وغيرهم، فقالوا انها كانت ذات مجد ورخاء وتمتعت بغنى وافر وثروة طائلة كما هو ظاهر من المدافن الفخمة والهياكل العظيمة.
وكانت حالة اهلها مزدهرة لأنها المدينة الوسطى بين بلاد جبيل وبعلبك وسائر مدن الداخل.
ويظهر من كثرة الآثار الرومانية في العاقورة انها كانت عظيمة في ايامهم، فكيفما نظرنا نجد حائطاً او كتابة او طريقاً ما يدل على انها كانت قصبة تلك المناطق. ويقال ان بعض العاقوريين كانوا يتمتعون بحقوق الوطنية الرومانية وبذلك لم يكونوا يؤدون ضرائب الجزية الثلاث التي كانت مفروضة آنذاك.
اما في زمن البيزنطيين فقد نزح الموارنة من سهول حماه وحلب والعواصم ولجأوا الى لبنان وتوطن الكثير منهم في العاقورة وبعد سنين هاجرت فصائل من المردة والجراجمة والانباط وامتزجوا بالسكان.
وقد قسم الصليبيون المنطقة الى اقطاعيتين، مقاطعة العاقورة ومقاطعة جبة المنيطرة والتي امتدت من البحر الى سطح الجرد ومن الفيدار الى نهر ابراهيم.
وفي عهود المماليك والجراكسة حصلت معارك كثيرة ومنها الواقعة التي حصلت عند مدينة جبيل حين حشدت جيوش الشام لمقاتلة الجرديين واهل كسروان، فاجتمع مقدمو الجبال ومنهم عنتر مقدم العاقورة واستعدوا للقاء الجيش فهزموه وقتلوا الكثيرين وغنموا غنيمة كبيرة.

آثار وكتابات وملوك…

العاقورة بلدة ضاربة في القدم وتدل على ذلك الآثار العديدة التي تملأ اراضيها ومنها: صخرة كبيرة في محلة “حقول الشباب” نقش عليها قمر وحيّة، وفي “جورة العيتاوي” نقوش كسروج خيل ورسوم لأكفٍ وتماثيل حيات. وفي محلة حمي شبل في عين اللبنه صخرة نقش عليها رسم لقَمَر وساق غراب وحافر حمل. اما في اراضي الدهماء فيوجد نقوش قيل انها كتابات هيروغليفية قديمة.
وفي أعالي عين القسيس آثار قساطل فخارية ومثلها في قرنة النمرود، وذكر بعضهم انه كان لنمرود احد ملوك فينيقيا قديماً قصر عظيم في قمة ذلك الجبل اتخذه مصيفاً له فجرّ اليه الماء من ينابيع البربريسه والفوّار وعين القسيس بتلك القساطل الفخارية، ما يدل على عبقرية الانسان في تلك الآونة البعيدة.
وكان يحيط بالعاقورة قديماً حائط روماني بقيت بعض آثاره واضحة المعالم في بعض الاماكن، وكان يمتد كما يقول بعضهم من نهر الرويس تحت النبع الذي يجري الى المجدل ويصعد الى معبور الطقة، ثم يمتد جنوباً فاصلاً خراج الفتوح والقرى المجاورة عن املاك العاقورة.
ويوجد حائط آخر يفصل بين اراضي العاقورة واراضي تنورين، الا ان هذا الاخير لم يعد له وجود وكان ايضاً يسمّى الحائط الروماني.
وفي محلّة القديسة برباره تمّ العثور على آنية خزفية مليئة بالرماد إكتشف في ما بعد انها بقايا اجساد الموتى التي كان الاقدمون يحرقونها ويحفظونها باحترام.

اباطرة في العاقورة

ذكر كثير من المؤرخين ان دو ميسيانوس قيصر الامبراطور الروماني مرّ في بلدة العاقورة سنة 82 بعد المسيح وفتح الطريق شرقي البلدة، فيما قال آخرون انه مهّدها لخراب طرأ عليها وما زالت الكتابة واضحة على الجبل قرب كنيسة مار سمعان العامودي والذي تسمى على اسمه؛ وتبدو احرف لاتينية هي: IMP DOMITIANIA, S.V.T..
اما الطريق الشرقية فقد قال ارنست رينان انها اقدم طرقات الدنيا. وقد استدل على ذلك من كثرة الخطوط والكتابات الهيروغليفية والفينيقية والآشورية واليونانية والرومانية الموجودة في كثير من المواقع على جانبي هذه الطريق التي يصل آخرها الى بحيرة اليمونة.
ومن هذه الخطوط ما وُجد على مقربة من “عين العصافير”. وقد نقل عن ارنست رينان قوله: “هذه الاحرف تشبه احرفاً فينيقية وليست بفينيقية وتشبه حروفاً آشورية وليست بآشورية…”.
وقد كاد العلماء يهملونها ظناً منهم انها نقش رعاة الماشية، الى ان اكتشفت في بابل الحديثة حجارة عليها مثل هذه الحروف فاكتشفت عندئذ مدى اهمية وقدم هذه النقوش الحجرية واودعت للبحث في بريطانيا لفك رموزها.
هنالك كتابات رومانية كثيرة منتشرة في البلدة ومنها كتابة فوق عين البربريسة منقوشة على صخرة مسطحة للشرق فسّرها قوم باسم نيرون الامبراطوري، فيما قال غيرهم انها باسم نيرفا لانها تبتدئ بحرف N وبعدها كلمة الامبراطور الروماني.
وفي وادي الميحال توجد كتابة باسم طيطوس قيصر، وهي تدل على ان هذا الملك مرّ من البلدة صاعداً من ناحية جبيل او منحدراً من ناحية بعلبك او البقاع.
أما الامبراطور ادريانوس فحفر اسمه على الكثير من المواقع في مختلف المناطق اللبنانية. وقد زعم بعض العلماء ان ادريانوس اقام في سوريا نحو خمس سنوات كان يصطاف خلالها في اراضي العاقورة والجوار لما تتمتّع به من هواء نقي ومناخ جيد، لا سيما وانه كان شغوفاً بزيارة الهياكل والعيش بطريقة قروية بسيطة.

الحجر الأثري

في كنيسة مار جرجس القديمة عثر اثناء بناء كنيسة على حجر بعلو متر وعرض حوالى سبعين سنتمتراً لكنه مكسور الجوانب ومنحوت نحتاً بديعاً ومتقناً.
وعلى الوجه الاول للحجر تمثال مكسور الوجه بفعل فاعل، اما العنق والذراعان والهالة فوق الرأس فكانت واضحة، وكذلك سائر الجسد، وعلى رأسه تاج يوناني وفوقه اطار مكسور اوله وآخره وعليه كتابة يونانية، وعلى الناحية الثانية من الحجر رسم لثور كسرت ناحية من رأسه وتبدو امامه كأس، اما على الناحية الثالثة فرسم لصواعق، فيما رسم على الناحية الرابعة للحجر نسر ومقرعة تخرج منها النار.
وقد ارسلت فرنسا آنذاك بطلب بعض الخبراء الذين أجمع رأيهم ان الرسم على الوجه الاول هو لإله الشمس ابولون، اما ثور الناحية الثانية فهو إله القوة التي كانت عبادته شائعة آنذاك في مصر وسوريا. والصواعق يعبّر عنها الإله جوبيتر إله الرعد والبرق، اما النسر فهو لإله جوبيتر الذي يدل على القوة والعظمة.
وقد تم العثور في اساسات الكنيسة على حجارة آجرّ ملونة بالاحمر والاصفر والاخضر والازرق وهي اسمك من حجارة الآجر في ايامنا هذه.
وقد قرر العلماء ان هذه الكنيسة كانت هيكلاً فخماً عظيماً، وما زالت آثار الاعمدة موجودة وتدل على عظمته.

طريق القوافل

الطريق الرومانية المشقوقة في الجبل على اتساع يتراوح بين ثلاثة وستة اقدام وبعمق يتراوح بين قدم وثمانية اقدام، وجد على جدارها الشمالي نقش روماني يشير الى انها شقت بناء لأوامر الامبراطور دومينيانوس في القرن الاول ميلادي.
لكن علماء الآثار الذين فحصوا الطريق ودرسوها، تبيّن لهم انها كانت موجودة قبل العهدين الروماني واليوناني وانها سبقت العهود الآشورية والبابلية، ويقول هؤلاء العلماء ايضاً ان هذه الطريق شقها الفينيقيون لسببين هامين: الاول هو ايجاد منفذ تمرّ به القوافل التجارية القادمة من الشرق الى داخل لبنان، ولهذا كانت العاقورة في الأزمان السبعة سوقاً عالمية للتجارة.
اما السبب الثاني فكان لمرور الحجاج والمحتفلين بطقوس ادونيس الى بحيرة اليمونة للتطهير.
لذلك يعتقد المؤرخون ان طريق العاقورة ­ اليمونة ­ البقاع هي اقدم طريق شقّت فوق جبل لبنان.
وتبين ايضاً لهؤلاء العلماء ان الجيوش الأشورية ومن بعدها الجيوش البابلية كانت تزحف الى لبنان من هذا الطريق ثم تتوجه الى نهر الكلب ومن هناك تزحف على بيروت وصيدا وصور.

الكهوف والمغاور

لا تخلو بقعة من اراضي العاقورة من الكهوف والمغاور، وكان بعضها موطناً للإنسان في العصور القديمة، كما ان بعضها كان ملجأ للكواسر كالضباع والذئاب.
من هذه المغاور مغارة مار يوحنا الواقعة في منتصف الجبل المعروف بشير مار يوحنا، ويصل طولها الى ألف ذراع، وعلى مدخلها عين ماء شديدة البرودة، وشمالي المغارة معبد على اسم القديس يوحنا، ومن المرجع ان ناسكاً قديساً توحّد في ذلك المكان وربما يدعى يوحنا.
اما مغارة جسر الحصى فهي من الغرائب وفوقها جسر من الجبل تمرّ عليه الطريق العامة، وارتفاعه حوالى 50 متراً لجهة الوادي، وتحته فسحة في وسطها فوهة بئر كبيرة وحولها معصرة عنب، ومن الداخل تتشعّب المغارة الى ثلاث مغاور وفي كل منها مضائق وعقبات وحجارة مضيئة في الظلام.
وفي السنين الغزيرة الامطار والكثيرة الثلوج تمتلئ هذه الكهوف بالماء حتى تتصاعد الى فوهة البئر ثم الى القنطرة لتنهمر الى الوادي على شكل شلال خلاّب يدهش الأبصار.

كما تم اكتشاف مغارة جديدة في العاقورة: الأعلى والأعمق في لبنان والوحيدة في الشرق الأوسط التي تحمل طابعا رياضيا. هي المغارة الأعلى ارتفاعاً عن سطح البحر في لبنان بحوالي 1750 متر. في قلب العاقورة، اكتُشفَ هذا الموقع النموذجي الذي سيشكّل محطّ استقطاب للسيّاح والزوّار في السنوات القادمة. هي الأكثر عمقاً بين المغاور الأخرى في لبنان، فهي بعمق 4.5 كم، وتقع في عين اللنمة”، كما أنّ “المساحة المرخًّصة التي يُمكن أن يدخلها الزوّار تبلغ حوالي 200 متر”. ما يميّزها عن سواها هو النماذج الهندسيّة الفريدة التي تحتويها، من دون أن ننسى أنّ فيها مياهاً جوفيّة، وهي المغارة الوحيدة التي تحمل طابعاً رياضياً على مستوى الشرق الأوسط، إذ باستطاعة الناس ممارسة الهوايات الرياضيّة في المغارة.
#البيت_اللبناني_السرياني

عن كاتب

شاهد أيضاً

الشيخ طلال الأسعد مرحباً بقائد الجيش العماد رودولف هيكل ووفد القياده المرافق،،وجودكم بيننا لتعزيتنا وبلسمة جراحنا يشجعنا أن نرفد خيرة شبابنا للتطوع في جيشنا اللبناني البطل .

الشيخ طلال الأسعد مرحباً بقائد الجيش العماد رودولف هيكل ووفد القياده المرافق،،وجودكم بيننا لتعزيتنا وبلسمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *