الرئيسية / أخبار مهمة / هوامش على مشهد دمشق، بكين، موسكو.

هوامش على مشهد دمشق، بكين، موسكو.

بقلم أحمد رفعت يوسف

بغض النظر عن التحليلات السياسية، حول الحراك السياسي والدبلوماسي النشط، من دمشق إلى بكين إلى موسكو، هناك هوامش وملاحظات وتعليقات على هذه المشاهد، تعطي مؤشرات لا تقل أهمية عما ظهر في وقائعها ومشاهدها الرئيسية ومنها:
** الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، تختلف في الشكل والجوهر عن أي زيارة أخرى قام بها الرئيس الأسد إلى روسيا، أو إلى أي عاصمة أخرى منذ بدء العدوان على سورية عام 2011، لأنها الزيارة “الرسمية” الأولى التي يقوم بها خارج دمشق منذ ذلك التاريخ، لأن زياراته السابقة وتحديدا إلى موسكو لم تكن زيارات رسمية، بموجب البروتوكولات الدولية للزيارات، وإنما كانت زيارات خاصة، وكانت تتم وسط تكتم واحتياطات أمنية شديدة، وبدون وفد رسمي، ولا يتم الإعلان عنها حتى حدوثها، أما زيارته الحالية فهي رسمية، وتمت وفق البروتوكولات الدولية للزيارات، ورافقه فيها وفد رسمي، وتم الإعلان عنها مسبقا، وفي هذا كل المؤشرات على انتهاء مرحلة الدعوة لإسقاط النظام، وإقرار دولي بسقوط تلك المحاولات.
** لوحظ رد الرئيس الأسد على سؤال حول الضمانات التركية، بأنه “لا يمكن لأحد في العالم أن يضمن أردوغان لعدة أيام” وفي هذا الرد الحاسم، إشارة واضحة إلى ما دار خلال لقائه مع الرئيس بوتين حول هذه النقطة، والمحاولات التي تجري لتوسيع المحادثات مع تركيا إلى المجال السياسي، وهي الخطوة التي سبقها تأجيل سورية للاجتماع الذي كان مقرراُ عقده لنواب وزراء خارجية سورية وتركيا وروسيا وإيران، لعدم حصولها على ضمانات تركية حول النقطتين الأساسيين بالنسبة لسورية، وهي الانسحاب التركي ووقف دعم تركيا للإرهاب.
وهذه إشارة مهمة جداً تؤكد قدرة سورية على اتخاذ المواقف بناء على مصالحها الوطنية، حتى لو تعارضت مع مصالح الصديق الروسي أو غيره.
** في مؤشر سريع على نتائج القمة، كانت مسارعة أردوغان إلى إرسال المتحدث باسم الرئاسة التركية “ابراهيم قالين” إلى واشنطن، والتقى هناك مستشار الامن القومي “جاك سوليفان” ومساعد وزير الخارجية “فيكتوريا نولاند” وأعضاء جمهوريين وديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي.
** طبعا هذا لا يعني توقف المحاولات الروسية والإيرانية، لعقد اللقاء السوري التركي حتى على مستوى القمة، لكن هذا سيصعب الأمور جداً أمام الرئيس أردوغان، الذي سيرى نفسه محشورا في الزاوية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وتأييد روسيا وإيران للمطلب السوري، ومعرفته بأن الإنقاذ يأتيه فقط من دمشق، ويؤكد أيضا أن أي لقاء سياسي سوري تركي، لن يتم حتى تحصل سورية على ضمانات عملية ومضمونة، حول الانسحاب التركي ووقف دعم تركيا للإرهاب.
** مشاهد الحركة باتجاه دمشق إثر الزلزال الذي ضربها لم يكن لغايات إنسانية، ولا لنخوة عربية لم تعد موجودة إلا في الكتب والقصائد، وإنما كانت وراءها مصالح، تأتي ضمن محاولات حجز مكان في المنظومة الإقليمية والدولية التي تتشكل، ويتم رسمها على الساخن وبدأت أولى انعطافاتها من الميدان السوري، وتستكمل اليوم في المسرح الأوكراني، والذي ما كان سينتقل إليها لو نجحوا في الميدان السوري.
** وفي المشهد الصيني كان طابع السرية الذي رافق محادثات بكين بين إيران والسعودية، التي قادها عن الجانب الإيراني أمين المجلس القومي الإيراني علي شمخاني، ومن السعودية عضو مجلس وزراء ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان، وبرعاية من الرئيس الصيني “شي جين بينغ” والإعلان عن الاتفاق بعد إنجازه تماماً، كان أكثر ما لفت أنظار المراقبين، وكان هناك شبه إجماع على أن الهدف حتى لا تتم عرقلته قبل إنجازه، وتحديدا من الولايات المتحدة وال.كيا.ن الص.هيو.ني.
** الملاحظة الثانية التي أثارت الانتباه بعد طريقة الإعلان عن الاتفاق، هي تحديد فترة الشهرين التي أعطيت لتنفيذه، وهذا ما دعا بعض المراقبين إلى تشبيهه بزواج مسيار سعودي، أو زواج متعة إيراني، يقرر بعده الطرفان الاستمرار أو الانفصال.
لكن الحقيقية أن الاتفاق المفاجئ ليس مجرد اتفاق عادي بين دولتين، وإنما هو مؤشر على تحولات عميقة في موازين القوى والقوة الإقليمية والدولية، تحتاج عدة أطراف لاستيعابه وهضمه، وسيتعرض بالتأكيد لمحاولات عرقلة وتخريب وتحديدا إسرائيلية وأمريكية، ولذلك يحتاج الطرفان وتحديداً السعودية إلى فترة الشهرين لهضمه وتمريره، وتعبيد الطريق لتنفيذه، وتؤكد اجواء اللقاء والرعاية الصينية له انه سيبقى المرجع الوحيد للعلاقات البلدين، حتى في حال تعثره خلال فترة الشهرين وستتم العودة إليه في أقرب فرصة، بعد أن يعمل الطرفان على تذليل العقبات من أمامه.
** الملاحظة الثالثة كانت في شكل الرعاية الصينية للاتفاق حيث كان لافتاً أنه تم برعاية الرئيس “شي جين بينغ” شخصياً، وهذا الأمر لم يأت من فراغ، وإنما يؤشر إلى محاولة صينية مدروسة، لتظهير تفاصيل أكثر لصورة الرئيس الصيني مع بداية ولايته الثالثة، بعد تعديل الدستور الصيني الذي ينص على فترة ولايتين للرئيس، وخاصة صورة الرئيس الحازم والراعي للصين الجديدة، المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية، والصاعدة بقوة لقيادة العالم بدل الأمريكي، مقابل الصورة الهزيلة التي يبدو عليها الرئيس الأمريكي جو بايدن.
** هنا لا يمكن أن يغيب عن الصورة، مشهد طرد الرئيس الصيني السابق “هو جين تاو ” من اجتماع المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني، وإخراجه من القاعة وهو يجلس بجوار الرئيس الحالي شي جين بينغ، ورئيس الوزراء “لي كه تشيانغ” رغم وجود إشارات منه وكأنه يطلب مساعدتهما او يستفسر منهما عن سبب ما يحدث، فيما اكتفى كل منهما بالإيماء برأسيهما، في إشارة منهما إلى الموافقة على ما يحدث.
وكان أكثر ما أثير حول الموضوع إبراز أن “هو جين تاو ” كان مؤيداً لسياسة الانفتاح على الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، وحل مسألة تايوان بالوسائل السلمية والدبلوماسية.
** في الجانب الأمريكي لخص الدبلوماسي الأمريكي السابق “جفري فيلتمان” المشهد في بكين بالقول “إنّ دور الصين، وليس إعادة فتح السفارات بين الرياض وطهران، كان الجانب الأهم في الاتفاقية” ولفت إلى أنه سيتم تفسير ما جرى على أنه صفعة لإدارة بايدن، ودليل على أن الصين هي القوة الصاعدة.
** ونختم هذه الملاحات والهوامش بالإشارة إلى أن الاتفاق لقي ترحيا كبيرا من الأوساط السياسية والإعلامية في البلدين، وهذا يؤكد أن المشتركات بينهما أكثر مما يفرقهما، لو ترك للبلدين تحديد نوع العلاقة بينهما بدون تدخل خارجي، وتحديدا أمريكي وإسرائيلي..
وهذا يؤكد من جديد أن الاتفاق وجد لينفذ حتى لو لاقى بعض محاولات العرقلة، وأن نتائجه ستكون أبعد من طهران والرياض وبكين.. وخاصة باتجاه دمشق وموسكو.

عن كاتب

شاهد أيضاً

تعويض المثابرة”… تعميمٌ لميقاتي إلى المؤسسات العامة الادارية

  أصدر رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي تعميماً الى جميع المؤسسات العامة الادارية حمل الرقم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *