الرئيسية / أخبار مهمة / هذا ما يحصل في لبنان وسورية / وفق رواية مسؤول اوروبي سابق

هذا ما يحصل في لبنان وسورية / وفق رواية مسؤول اوروبي سابق

سامي كليب:

                يروي مسؤول أوروبي من الوسطاء السريين السابقين بين ايران والدول الغربية، أنه حين تدهور الوضع داخل فلسطين المحتلة في ربيع العام     ٢٠١٨ واجتاح الفلسطينيون الحدود مع إسرائيل بالدواليب المشتعلة منذرين بانتفاضة ثالثة، تواصلت الأجهزة الأميركية مع طهران وقدّمت لها عرضا مغريا يقول :” ساعدونا في تهدئة الوضع الداخلي، ويمكننا التفاهم بشأن سورية، وإزالة قاعدتنا العسكرية من التنف السورية مع وعد بخروجكم أيضا ” .

كانت واشنطن تأخذ على محمل الجد فكرة ” المحور” الكامل الذي تحدث عنه أهل هذا المحور من طهران وبغداد الى صنعاء ودمشق وبيروت، خصوصا أن الإعلان عنه، جاء بعد تعديل الوضع العسكري في سوريا، وبعد الاختراق الروسي الكبير للمياه الدافئة والعودة الى البحر الأبيض المتوسط من على ضفاف اللاذقية وطرطوس وغيرها. وكان الفرع اللبناني لهذا المحور أي الحزب، قد عقد سلسلة اجتماعات مع كل الفصائل الفلسطينية وساهم في حصولها جميعا على تمويل إيراني بما فيها الجبهات اليسارية الفلسطينية التي كانت تعتبر الدين افيون الشعوب.

 

نجحت واشنطن في توجيه ضرباتٍ موجعة للمحور عبر اغتيال عدد من قادته، والتي كانت آخرها وأكثرها ايلاما  قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليمان ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي سابقا أبي مهدي المهندس، بعد سنوات من اغتيال القائد العسكري الأهم في الحزب عماد مغنية. ردّت ايران بقصف قاعدة أميركية في العراق في سابقة دقّت جرس الإنذار بان الأمور يمكن ان تتدحرج الى حرب.

 

كان هذا على الأرجح الحد الأقصى الذي يُمكن ان يصل اليه التوتر بين اميركا وايران غير الراغبتين بالحرب ، رغم كل التأليب اليومي الذي مارسته إسرائيل بغية دفع الأمور الى الحرب قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لأن ما اقدم عليها الرجل تخطى بكثير ما فعله أسلافه.

 

ماذا الآن ؟

 

يجيب المسؤول الأوروبي الكبير: أن ما يحصل الآن له علاقة مباشرة بالمشروع القريب لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. وهكذا خطوة خطيرة جدا تفترض تحييد ايران وتضييق الخناق عليها وعلى حليفيها الأهم في المحور أي سوريا والحزب، فواشنطن وإسرائيل لا تخشيان اقدام الحزب او الجيش السوري على استخدام القوة لمنع ذلك، وانما تدركان تماما أن المحور يعمل على تشجيع ودعم انتفاضة فلسطينية ثالثة أقوى من كل ما سبقها، خصوصا بعد سقوط آخر أوراق التوت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وتخلي الرئيس محمود عبّاس عن كل اشكال التعاون مع تل أبيب.

 

ان تجويع الشعبين السوري واللبناني بعد الحصار الخانق على ايران، لا يتعلق فقط بفشل الحكومات المتعاقبة وعدم قدرتها على اجتراح حلول قبل وصول المصائب، وانما يستند الى ضرورة بقاء هذه الشعوب جائعة ومستنفرة ومنتفضة على الحكومات بانتظار تمرير الصفقة التي سيكون الأردن أبرز ضحاياها بعد فلسطين لاضطراره الى استقبال نازحين جدد.

 

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كان يعرف تماما الى أين تتجه الامور وانه لا يستطيع فعل أي شيء طالما الغرب سيحارب هيمنة الحزب على الحكومة ، وكان يدرك ان لا مساعدات ستأتي الى لبنان، ونُصح بان يترك رئاسة الحكومة في الوقت الراهن.

 

وحين أقول للمسؤول الدبلوماسي الاوروبي الذي عمل طويلا في جهاز استخبارات معروف : ” لكن الشعب الجائع ما عاد يهمه للأسف ماذا يحصل في فلسطين، وهو صار يحمّل السلطة في سورية المسؤولية واما في لبنان فترتفع المطالب بنزع سلاح الحزب، وانتم في الغرب تلعبون أيضا لعبة واشنطن في تجويع الشعوب لحماية إسرائيل ولا اعتقد ان الديمقراطية تهمكم في سوريا او لبنان او ايران او أي بلد في المنطقة “.

 

يضحك المسؤول الأوروبي، يسوّي نظارتيه، ويقترب أكثر من شاشة الكومبيوتر، ويقول : ” تعال نتذكر معا ماذا حصل عندكم عبر التاريخ الحديث :

١٩٧٤-١٩٧٥  اندلاع الحرب الأهلية في لبنان …بعدها تم توقيع كامب دايفيد.

 

١٩٨٩-١٩٩١  تمرّد العماد ميشال عون، دخول صدام حسين الى الكويت…بعدها  مؤتمر مدريد للسلام .

 

١٩٩٣      اجتياح إسرائيل للبنان في عملية تصفية الحساب …  توقيع اتفاقية أوسلو  ثم وادي عربة مع الأردن ١٩٩٤

 

١٩٩٦  اجتياح إسرائيلي ومجازر في الجنوب ….اقامة علاقات تجارية ودبلوماسية إسرائيلية مع عدد من الدول العربية.

 

٢٠٠٠ -٢٠٠٣   انسحاب إسرائيل من لبنان بلا اتفاق ، انتفاضة فلسطينية بعد زيارة شارون الى الحرم ، انتخاب بشار الأسد رئيسا ،  ثم اعتداءات ارهابية بعد اقل من عام على برجي التجارة في اميركا، ثم قمة بيروت للتطبيع في العام ٢٠٠٢  ثم اجتياح العراق فتهديد سوريا ولبنان  .

 

٢٠٠٤ -٢٠٠٦   وفاة الرئيس ياسر عرفات في ظروف غامضة،  اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري … انسحاب الجيش السوري من لبنان ثم حرب إسرائيل المدمرة مع الحزب

 

٢٠٠٧-٢٠١٠    مؤتمر انابوليس للسلام، مفاوضات سورية -اسرائيلية ، اجتياح غزة. بداية الربيع العربي

 

أوقفتُ المسؤولَ الأوروبي عن سرد كل هذه الوقائع، بعدما انتبهت فعلا ان كل خضة لبنانية كانت ترتبط دائما بشيء فلسطيني إسرائيلي، وقلت له :” الى ماذا تريد ان تصل اليوم ؟”

أجاب : ” المطلوب الآن من المحور أن يصمت أو ان لا يعرقل ضم نتنياهو لأجزاء واسعة من الضفة،  وثمة قلق إسرائيلي وأيضا أميركي وغربي ان ما يجري سيثير انتفاضة ثالثة عارمة وان المحور سيدعمها، فلا سبيل لإشغال المحور الا بانتفاضات مطلبية محقة يكون الجوع سببها، ولذلك لا تنتظروا دعما دوليا ولا مساعدات ولا السماح لأي دولة بان تدعم ”

 

قلت : لكن ايران وأميركا تبادلتا اطلاق سجينين في الأيام الماضية ؟

 

قال : يجب ان تعرف يا صديقي ان هذه الدول لا تقتطع العلاقات مطلقا مهما حصل، فهي تضع يدا على الزناد ويدا أخرى على ملفات التفاوض، وكل منها تريد تحسين الشروط، لكن حتى الآن لا نرى شروطا جيدة لمفاوضات حقيقية، واعتقد ان ايران تضغط على ترامب من خلال الناقلات الى فنزويلا وغيرها، لكنها لا تقتطع شعرة معاوية معه قبل ان تدرك وضعه الحقيقي في الانتخابات المقبلة، وهي ستحاول لو نجحت المساهمة في  اسقاطه أو الحصول منه على أهم صفقة اذا ما ضعف كثيرا واحتاجها. هكذا تعتقد هي .

 

قلت : لكن يقال للبنان منذ عقود طويلة ان الغرب لن يسمح بانهيار الدولة اللبنانية .

ضحك المسؤول الأوروبي وقال : ” ان هذا يقال للسُذّج بينكم، فهل اوقف الغرب اجتياح لبنان مرارا، وهل أوقف تدهور اوضاعكم، فكيف سيفعل وهو يؤمن بان حزب الله يسيطر على البلد فيما ترامب يدعم نتنياهو في السيطرة على الضفة ؟ يجب ان يبقى لبنان ضعيفا وهشا وتستمر التوترات  ”

 

قلت : لكن هذا يعني ان الدول التي كانت دائرة في الفلك الغربي مثل لبنان والأردن وغيرهما ستبحث عن شركاء جدد وتذهب الى الصين او روسيا .

 

أجاب بخبثٍ واضح :” ألم تكن روسيا أول دولة اعترفت تاريخيا بقيام دولة إسرائيل، وهل تعتقد ان الرئيس بوتين او الرئيس الصيني سيتخاصمان مع الغرب لأجل العرب الذين لم يعرفوا عبر تاريخهم سوى التقاتل بين بعضهم وضيعوا فلسطين وكل شيء، الصين وروسيا وغيرهما يستخدمونكم ورقة تفاوض في مشاريع استراتيجية ليست لكم علاقة بها أصلا ، تماما كما يفعل بكم الغرب ، المشكلة عندكم وليست عندنا  او عندهم، هذه دول تبحث عن مصالحها  وانتم تساهمون للأسف بمصالحها وليس مصالحكم ” .

 

قلت : لكن الناس سيتظاهرون وما عادوا قابلين برواية المؤامرات الخارجية، فهم يريدون ان يأكلوا، والحكومات لا تقدم لهم حلولا ، وثمة من يستغل هذه التطورات الخارجية لمنع الناس من التعبير تن غضبهم .

 

قال : هذا شأنكم، لكني احدثك عن الاستراتيجيات الكبرى وليس عن هموم التي لا ينتبه اليها احد الا اذا خدمت مشروعا معينا. تذكر يا صديقي ان الدول مصالح لا عواطف او مباديء.

 

توقفت المقابلة  منذ يومين ، وما زلتُ افكر بما يقوله، لعلّه على حق .  وازداد قلقي على لبنان وسورية وفلسطين والمنطقة

عن كاتب

شاهد أيضاً

من هو الشهيد السيد حسن نصر الله؟

  ولد السيد حسن نصر الله في 31 أغسطس/ آب 1960 في بلدة البازورية ـ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *