الرئيسية / أخبار مهمة / مكتومي القيد في وادي خالد

مكتومي القيد في وادي خالد

الحصاد الإخباري

بعد ثلاثة أيام يبلغ علي العلي سن الـ27. عاش الشاب حياته حياً وميتاً في آن. لا سجلات مدنية له ولا حقوق، ولا يوجد أي إعتراف قانوني به. علي، يمثل نحو 600 شخص من أبناء منطقة وادي خالد في عكار، غير مسجلين في الدوائر الرسمية اللبنانية، لا قيد لهم، ولا هوية. إنهم “مكتومون”.
في منزلهم المتواضع في بلدة العماير (إحدى قرى وادي خالد) الحدودية، يلتف علي وإخوته حول “صوبية الحطب”. تكاد لا تتبدل جلستهم طوال النهار. فحرمانهم من حمل البطاقة البلاستيكية الصغيرة (الهوية)، جعل حياتهم بلا فائدة. يقول أصغرهم: “أنا مكتوم إذاً أنا غير موجود”. تمتنع معظم المدارس عن إستقبال الصغار لأن لا سجلات رسمية لهم. وقد أُقصي علي من عمله كناطور لأحد المباني لأنه مكتوم القيد. كما خسر أخاه الأصغر حبيبته، بعدما خاطبه والدها بالقول “كيف تتجرأ على طلب يد ابنتي. ألا تعرف أنك مكتوم؟”. وكأنه لا يكفي هؤلاء ما يعانونه لكونهم موجودين بحكم الواقع ومغيبين في القانون، عليهم أيضاً الصمت أمام من يعاملهم كبشر من “الدرجة الخامسة”، ويجاهر بوصفهم بأوصاف لا تحترم كرامتهم الإنسانية. 

علي ولد من أم وأب لبنانيين حُرما من هويتهما أيضاً. ووفق رئيس بلدية العماير بسام خليفة تعود قضية مكتومي القيد في وادي خالد إلى العام 1932. حينها “أجرت الدولة اللبنانية إحصاءاً لجميع السكان بهدف منحهم الجنسية اللبنانية. إلا أن الخوف من سوقهم إلى الخدمة العسكرية، كما كان يحصل في عهد السلطنة العثمانية، دفعهم إلى الهرب، وعدم تسجيل أسمائهم. ومن سُجلوا لا يتجاوزون الـ3% من إجمالي عدد السكان. وهم كانوا من العاملين لدى آل “دنش” المعروفين بالـ”بكوات”، الذين ألزموهم على تسجيل أسمائهم عنوةً”، مشيراً إلى أن ذلك يفسر سبب وجود أشقاء داخل البيت الواحد، منهم من يحمل الجنسية اللبنانية، ومنهم من لا يزال مكتوم القيد أو يحمل جنسية لبنانية “قيد الدرس”. 

ويضيف: “في العام 1994 صدر مرسوم التجنيس، إلا أنه لم يشمل أعداداً كبيرة منهم، لأسباب عديدة. تقدم الكثير بطلبات للحصول على الجنسية، ودفعوا الرسوم المالية المفروضة، إلا أنهم فوجئوا بعدم ورود أسمائهم، بحجة أنها سقطت سهواً أو ضاعت ملفاتهم”. بالإضافة إلى ان القانون لم يشمل الولادات ما بين عامي 1994 و1995، كما لم يمنح الجنسية لمواليد عامي 1975 و1976 الذين كانوا قاصرين عند تقديم الطلبات، وبلغوا سن الرشد عند صدور المرسوم، فـ”قد ضاعوا بين المرحلتين وبقيوا مكتومي القيد”، وفقه. فضلاً عن الأفراد الذين تقدموا بطلبات التجنيس أثناء وجودهم في السجن أو خارج البلاد، فدُوِّن مقابل أسمائهم “لا يُعطى أي مستند لحين حضوره وتوقيعه” وعند حضورهم كان “الجواب أنهم فقدوا حقهم بالحصول على الجنسية”. حالياً، يتنقل مكتومو القيد وفي أيديهم بطاقة صغيرة تُعرف بـ”بطاقة المختار”. تحمل صورة شمسية مصدّقة من مختار المنطقة، عليها معلومات تُعرِّف عن صاحبها، وهي تشكّل إثباتاً وحيداً على وجوده.

ومن الطبيعي أن لا يتوفر في بلد لا يُعرف عدد سكانه الرسمي، إحصاء لأعداد مكتومي القيد. لكن المؤكد وفق خليفة أن “أعداد هؤلاء في إزدياد مستمر بفعل الزواج والإنجاب”. الجدة الثمانينية أم محمد، مثلاً، أنجبت 14 طفلاً ولها 50 حفيداً وجميعهم مكتومي القيد. تتحدث عن حالها بلهجة عصبية، تقول: “طوال حياتي وأنا أشعر بأنني إنسانة ناقصة لا وجود لي. أحزن لأن معاناتي ستتكرر مع جميع أحفادي”. ويسرد محمد فصولاً عن العيش بلا هوية. يقول: “لا أستطيع النظر في عيون صغاري عندما يمرضون، اذ ما من مستشفى يستقبلنا، وقد نضطر إلى إستخدام بطاقة هوية مزورة لإنقاذ حياتهم. والقلق من توقيف أحدنا على الحواجز يلازمني دوماً”. 

منذ سنوات، لجأت عائلة العلي إلى القضاء. وبالرغم من أن جميع أفرادها يستوفون الشروط المطلوبة للحصول على الجنسية، وفقهم، إلا أنهم ملزمون العودة إلى النسب لإثبات “لبنانيتهم”، بحسب محمد. أي أن الدعاوى القضائية ترجع بهم إلى الجد وجد الجد، ويجب عليهم إثبات إن الأخير كان مقيماً في لبنان أو لا. وهذا ما يُسمى بـ”جنسية التأسيس.

IMG_3642

من جهتها تشرح رئيسة لجنة “معالجة أوضاع الأطفال اللبنانيين مكتومي القيد” اليس كيروز أن “حالة أبناء منطقة وادي خالد تتطلب منهم اللجوء إلى تقديم “دعوى نفوس” للإستحصال على هوية لبنانية. فإن كانوا يستوفون كافة الشروط، يجب عليهم اللجوء إلى المحاكم الشرعية لإثبات نسبهم، والخضوع لفحوصات الـDNA، للتوصل إلى إعلانهم من ضمن خانة القيد التابعين لها في سجلات النفوس”. لافتةً في حديث لـ”المدن” إلى أن “اللجنة تستهدف في حملتها الأطفال اللبنانيين فقط، أي الذين ولدوا من أب يحمل الجنسية اللبنانية. وفي حالة أبناء وادي خالد، يبقى على الدولة اللبنانية أن تقرر طريقة معالجة ملفاتهم أو إنتظار صدور مرسوم تجنيس يشملهم. لأننا أمام أجيال متعددة تولد جميعها مكتومة القيد”. معتبرةً أن “الأمر يعد جهلاً من قبل الأهل، الذين تترتب عليهم مسؤولية كبيرة لعدم مراعاتهم ظروفهم الاجتماعية. إذ أنجبوا أطفالاً مظلومين ومحرومين من أدنى حقوقهم، وهم الفئة الاجتماعية الأكثر عرضة للخطر”.

عن كاتب

شاهد أيضاً

نهرا من مخيمات السوريين في كوبا – البترون: ثمة نازحون يمتلكون الاسلحة النارية ولن نسمح بتفلت الأمن

أكد محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا “ان ثمة عناصر من النازحين السوريين يمتلكون الاسلحة النارية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *