وسائل تحفيزية تلهب خيال طفلك
يجري في الوقت الراهن الحديث عن تطبيق «تقنية الحضور الذهني» على الأولاد في المدارس والفصول. وبالرغم من قدم أصول هذه الطريقة وارتباطها بالفلسفات الدينيّة الروحيّة وأسرار علاقة الذهن بالمادّة وتأثيره فيها، يعتبر استعمالها في وسائل التربية الحديثة ذا منافع قوية تعود على حياة الأطفال والأولاد.
يجري في الوقت الراهن الحديث عن تطبيق «تقنية الحضور الذهني» على الأولاد في المدارس والفصول. وبالرغم من قدم أصول هذه الطريقة وارتباطها بالفلسفات الدينيّة الروحيّة وأسرار علاقة الذهن بالمادّة وتأثيره فيها، يعتبر استعمالها في وسائل التربية الحديثة ذا منافع قوية تعود على حياة الأطفال والأولاد. وفي هذا المقال سنتعرف إلى كيفية استخدام هذه التقنية لرفع كفاءة أولادنا وتدريب أذهانهم على اليقظة والوعي التامين بما يدور في داخلهم ومن حولهم.
خلف أسوار الفصول
يقول خبراء التربية إنّه على الرغم من أن الأطفال هم أكثر الشرائح البشريّة التي تتميّز بانفتاح آفاق التفكير وقوة الفضول والقابليّة للتعلّم، فهم أيضاً أكثر الشرائح التي تتعرّض للضغوط النفسيّة الخارجية وأنماط الحياة الفوضوية، ما يجعل من الصعب بالنسبة لهم معرفة كيفية الاسترخاء، أو حتى كيفية تفهم مشاعرهم والحديث عنها. وقد اعترفت المدارس في معظم أنحاء العالم بوجود مثل هذه التحديات المتزايدة التي تعيق عمليّة التعلّم عند الأطفال والأولاد، ونتيجة لذلك توجهت إلى تضمين تقنية «ممارسة الحضور الذهني» (mindfulness education) ضمن مناهجها الدراسية.
وقد حدثت تطورات جديدة لهذه التقنية بعد ظهورها أيضاً خارج الفصول الدراسية السائدة كالمراكز الاجتماعية والمستشفيات. وقد أدخلت بعض هذه المؤسسات التربويّة والاجتماعية هذه التقنية لمساعدة الأولاد في سن المراهقة التي غالباً ما يكثر فيها الاكتئاب والعزلة والميل إلى اقتراف الأخطاء وعدم الوعي الحقيقي بالذات ومتطلّباتها.
فوائد ممارسة الحضور الذهني
شهد العقد الماضي ارتفاعاً كبيراً في تطبيقات الممارسة الذهنيّة التي تركز اهتمامنا على أفكارنا ومشاعرنا والبيئة المحيطة بنا في اللحظة الراهنة. وفي حين كانت الموجة الأولى من البرامج تستهدف البالغين، تضاعفت جهود العلماء وتوسعت الأبحاث حتى صارت هذه البرامج تنتشر في المدارس وتستهدف الأطفال والمراهقين. ومن الفوائد التي لوحظت بعد ممارسة الأساتذة لهذه التقنية انخفاض مستوى التوتر لدى الطلّاب، وانخفاض مستويات الاكتئاب أيضاً بشكل ملحوظ.
كما أشارت الدراسات التي تابعت تطبيق هذه الممارسة ومنها برنامج «كشّاف المدارس» school finder إلى بعض الفوائد الأخرى كتعزيز مفهوم التعاطف والتواصل مع الآخرين لدى الأولاد، وأيضاً تحسين قدراتهم الإدراكية وتركيزهم. وأخيراً من الأمور المهمّة في هذه الممارسة أنّها تعزّز عند الطفل الشعور بالطمأنينة والسلام الداخلي، ما يزيد عنده القدرة على التفاعل مع الآخرين.
نماذج لبناء المهارة
يمكن للأهل تطبيق مهارة «الحضور الذهني» بطرق بسيطة في المنزل من أجل تهيئة الطفل وتعويده على تطبيقات المدرسة فيما بعد. ومن النصائح المفيدة في تطبيق هذه الممارسة ما يلي:
1. إنشاء ملاذ سلمي هادئ أو ركن خاص، بعيداً عن أجهزة الكمبيوتر والتلفزيون والهواتف، يلجأ إليه الولد فيخلو معك أو مع والده ويقوم بالتمارين. كما يمكنك إضافة وسادة أو اثنتين يستلقي عليهما لضمان راحته، واحرصي أن يكون في ملابس مريحة وغير مقيدة وأن تكون مساحة الغرفة واسعة وينظر إليها باعتبارها الركن الآمن الذي يرتاح فيه.
2. الشعور بالحياة من خلال التنفس بحيث تقومين بالطلب من ولدك أن يصف الإحساس بأنفاسه وهي تدخل وتخرج من جسمه. هل هي حارّة؟ باردة؟ هل لاحظت أي أحاسيس أخرى؟ وقومي بتشجيعه على التركيز على ما يشعر به عندما يدخل نفساً عميقاً إلى جميع أنحاء الجسم. وقد يكون من المفيد أيضاً للأطفال الأصغر سناً أن يطلب منهم تصوير أنفاسهم باستخدام الصباغ أو الأقمشة الملوّنة وتشجيع تجربتهم الإبداعية دون توجيهها.
3. إدراك عمليّة الأكل من خلال وضع حبّة زبيب مثلاً أو فاكهة في فم الولد ثمّ الطلب منه أن يتذوقها ويشعر بها حقاً، ويتحسّس تضاريسها ويتخيّل ألوانها. ومن المهم في هذا التمرين أن يتعوّد الولد الاحتفاظ بالطعام على لسانه فترة كافية كي يتذوقه دون قضمه على الفور أو مضغه. إنّ هذا يعلمنا كيف أننا في كثير من الأحيان نمضغ طعامنا بسرعة دون أن نتذوق الطعم والملمس؛ إن هذا التمرين البسيط سيعلّمه كيفيّة استخدام جميع الحواس والانخراط بشكل كامل مع عملية ممتعة لتناول الطعام.
4. الشعور بجسمه من خلال الوقوف والقيام بتمديد الجسم stretch ورفع اليدين عالياً، ثمّ الطلب منه إغلاق عينيه وتخيّل أنه سيصل إلى النجوم أو القمر، أو أن يترك له نصيب من التصور الخاص الخلاق. كما يمكن أن يطلب من الولد تثبيت قدميه بحزم على الأرض، ويديه إلى الجانبين، ثمّ أن يحرّك جسمه كتلة واحدة إلى اليمين أو اليسار والسماح ليديه بالتأرجح وقت الحاجة. ويمكن لهذا المشهد أن يثير الضحك أو التعليقات حول شعور مثل «غسالة» أو شجرة تتحرّك، وهذا أمر مطلوب يثير المتعة في هذه العملية المشتركة بين الولد ومحيطه.
الصبر مفتاح النجاح
يجب على من يمارس تقنية «الحضور الذهني» على الأطفال أو الأولاد أن يتيقن بأنّ كل طفل أو ولد هو شخص فريد من نوعه، وليست هناك قواعد صارمة للوصول إلى الأهداف التي ينبغي تحقيقها. فبعض الأطفال أو الأولاد قد يستمرون أياماً يقومون بالتمارين بقوة وحرص، في حين أن الآخرين قد يبدون غير مهتمين أو متفاعلين. إنّ هذه المتغيرات تحتاج إلى الصبر مع توافر الثقة في النتائج التي قد لا تظهر فورياً أو تكون واضحة في البداية. إنّ مؤشرات النجاح على هذه التقنية يأتي من الأولاد أنفسهم الذين يعترفون بالآثار الإيجابية لممارسة الحضور الذهني في حياتهم. ومن هذه المؤشرات داخل المنزل مثلاً، أن يحصل تقدم ملحوظ في حلّ الواجبات المدرسيّة المنزلية، أو في طبيعة التعامل بين الإخوة وإبداء المزيد من التسامح والتعاون.